جدة تستعيد بريقها- الفن والثقافة والأدب يعودون إلى عروس البحر الأحمر

المؤلف: حمود أبو طالب08.06.2025
جدة تستعيد بريقها- الفن والثقافة والأدب يعودون إلى عروس البحر الأحمر

تستقبل جدة اليوم مهرجاناً جديراً بها، مهرجاناً يحتفي بالفكر الرفيع، والثقافة الأصيلة، والأدب الساحر. إنه مهرجان الحرف الذي كاد أن يختفي في خضم المنافسة الشرسة وغير المتكافئة مع لغة الأرقام، تلك الأرقام التي تعبر عن المال والثروات الطائلة التي غلبت على مدينة جدة، على غرار العديد من مدن المملكة. لقد حدث هذا التحول دون أن نشهد أناقة فائقة أو فخامة متميزة في المنتجات، كما هو الحال في كبريات مدن العالم، تلك التي لم تتجاهل الإبداع الإنساني، ولم تنكر قيمة الثقافة والفنون بكل أشكالها وأنواعها، بالرغم من طبيعتها الرأسمالية المتجذرة.

جدة، هذه المدينة الفاتنة التي تأسر القلوب بجمالها، رغم بعض التشويهات التي طرأت عليها، لا تزال تحافظ على سحرها الأخاذ، وتتطلع إلى مستقبل أجمل وأكثر إشراقاً. ففي العام المنصرم، كان افتتاح معرض الكتاب الدولي الأول على شاطئها احتفالاً شعبياً باهراً، استمرت فعالياته طوال أيام المعرض، وأنسى الناس ولو قليلاً مرارة الإحساس بفقدان بحرهم المسلوب وشاطئهم الذي نُهب. لقد توافدوا بأعداد غفيرة على مقر المعرض، وأداروا ظهورهم للشاطئ، آملين أن يجدوا في سطور الكتب سلوى وعزاءً لما أصابهم. جدة، مدينة الفرح، والإبداع، والفكر، والثقافة العريقة، احتفت بشكل استثنائي بمعرض الكتاب الأول، وكأنها لم تعرف الكتاب من قبل، والحقيقة أنها ليست كذلك على الإطلاق. لقد تم تهميشها وإبعادها، شأنها شأن مدن أخرى، عن كل مقومات علاقتها الوطيدة بالتفاصيل الإنسانية الدافئة، والقيم الجمالية المتأصلة فيها. فتحولت إلى مدينة قاحلة، ضيقة الأفق، متقلبة الأهواء، لا يسود فيها سوى الضجيج والصخب، وكلما تذكرت ماضيها الزاهر، انزوت على نفسها وأغرقت في بحر من الدموع. جدة التي أكد حمزة شحاتة أن الهوى فيها حالم لا يعرف الاستسلام، والتي تجسدت في كلمات بدر بن عبدالمحسن العذبة التي لامست شغاف القلب في أغنية العروس للفنان المبدع محمد عبده، وقبلهما وبعدهما، تغنى بها الكثيرون، أصبحت خالية من الغناء، والفن، والكتاب، والمسرح، والبهجة، وكل ما يمتع الروح، باستثناء استنزاف جيوب الضعفاء الباحثين عن وهم الراحة مقابل دفع الكثير من المال، الذي أمسى لغة جدة السائدة، بدلاً من لغة الفن، والجمال، والأدب الراقي. فماذا لو أقيم بجوار موقع معرض الكتاب صرح عظيم يحمل اسم «دار أوبرا جدة»؟ وماذا لو شُيِّد على كورنيشها الجميل، أو في أحد شوارعها الرئيسية مسرح أنيق وعصري يستقطب الجماهير للاستمتاع بفنون المسرح الراقية، التي نمتلك فيها كوادر مبدعة قادرة على تلبية جميع متطلباته، تأليفاً، وتمثيلاً، وإخراجاً؟ وماذا لو دعمنا أحلام المخرجين السينمائيين السعوديين الموهوبين، الذين وصلت أفلامهم إلى العالمية، من خلال إنشاء دور عرض سينمائية حديثة؟ أليس من المخجل حقاً أن يعترف مخرج سعودي لزملائه الأجانب بأنه لا يستطيع عرض أعماله السينمائية لأن السينما ما زالت ممنوعة؟ وأليس من المعيب والمحزن لنا جميعاً عندما شاهدنا احتفالية أوبرا الكويت بفنوننا وفنانينا، بينما نحن لا نستطيع أن نفعل ذلك في وطننا ووطنهم؟

تصوروا معي هذه الـ «جدة» عندما تتوافر فيها هذه المنظومة المتكاملة التي تبعث على الإقبال على الحياة، والتي تشمل الأوبرا، والمسرح، ودور العرض السينمائية، بالإضافة إلى استضافة مهرجانات عالمية في مختلف المجالات الثقافية، والاقتصادية، والفنية. تخيلوا معي كيف سيكون حال جدة حينها؟

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة